إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
نقدم لكم أيها الأخوة والأخوات الأفاضل ........يا عشاق المصطفى وأصحابه الغر الميامين الذين رووا بدمائهم ارض المسلمين...و ساروا بها شرقاً وغرباً.......لأنهم أناس تكلموا لعز الاسلام ، ونجاة النفوس ، ورضا الرحمن .
ونهدي عملنا إلى رجال السلف الشاهقين.....أعظم ثُلَّةٍ في دنيا العقيدة و الإيمان ..الذين استطالت رؤوسهم إلى السماء فلامستها ، واقتربت السماءُ من رؤوسهم فتوَّجتها .. إليهم في سُموِّهِمْ و عُلُّوَِهِم وتفانيهم و صمودِهم و يقينهم الناهض فوق منصَّة الأستاذية ، يُلقي على البشرية كلِّها أبلغ الدروس ، ويُلقِّنُها العظمة الباهرة التي تبدو من فرطِ إعجازها كأنها الأساطير.
إلى كتائب الحقِّ من جيلنا الواعد .. القابضة على الجمر .. التي ستطوي العالم بإيمانها ، زاحمةً جوَّ السماء برايتها و هِمَمِها السامية وشمائلها الغالية .
إلى من ظنَّ أنَّ دوحة الإسلام ذبَلتْ وجفَّ رحيقُها
لا تُهيِّئ كفني يا عاذلي فأنا لي مع الفجرِ مواثيقٌ و عَهْدُ
إلى زهرتيَّ : سُميَّة وفاطمة .. جعلَكُماالله من القانتات العابدات الذاكرات ، وجعل لكما في صدور المؤمنين وُدَّاً ، ولم يجعل الحياة عليكما نكداً.نكون إن شاء الله مع درسنا الأول بعنوان:
>>>>>>> والسابقون السابقون أولئك المقربون>>>>>>
قال تعالى : "والسابقون السابقون أولئك المقربون " ]الواقعة 10-11[ .
من صفا صُفي له ، ومن كَدَّر كُدِّر عليه . السابقون في الدنيا إلى الخيرات , سبقوا في الآخرة إلى الجنات ، فإن السبق هناك على قدر السبق هنا .
قُربت قلوبهم من بساط المعرفة ، وإلى الحق في دار الدنيا ، فقال الله عنهم : "أولئك القربون " ، النعيم الأكبر والأسنى نعيم القُرب ، وجنات النعيم لا تساوي ذلك التقريب ، ولا تعدل ذلك النصيب .
اليوم جنان العرفان ، وغداً جنان الرضوان .
يقول قائلهم : إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها القلب طرباً ، وأقول : أن كان أهل الجنة في مثل هذا العيش ؛ إنهم لفي عيش طيِّب .لا ينفكون عن أفضالهم ، ولا يخرجون عن أحوالهم ، فهم أبداً في الجنة ، ولا إخراج لهم منها ، أبداٍ لهم القربى والزلفى ، لا حجاب لهم عنها .
السابقون السابقون ، إنهم هم هم وكفى ، فهو مقام لا يزيده الوصف شيئاٍ.
السابقون بصدق القدم وعُلُوِّ الهمم ....أولئك المقربون ....
وللَّه ما أحلى لفظ القرآن ! فكم الفرق بين (المقربون) و (المتقربون) ..سيقت إليهم الجنة ، وزُفّت إليهم لكرامتهم على ربهم
.مَن وقعت عليه غبرة في طريقهم ، لم تقع عليه قترة فراقهم .
مَن خطا خطوة إليهم ؛ وجد حظوة لديهم .
من رفع إليهم يدا ؛ أجزلوا له رغدا .
من التجأ إلى سُدَّة كرمه ؛ آواه في ظل نعمه .
من شكا فيهم غليلا ؛ مهَّدوا له في دار فضلهم مقيلا .
يقول شيخ الإسلام ابن القيم :
"للإنسان قوتان : قوة علمية نظرية ، وقوة عملية إرادية ، وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية والإرادية .
واستكمال القوة العلمية إنما يكون بمعرفة فاطره وبارئه ، ومعرفة أسمائه وصفاته ، ومعرفة الطريق التي توصِّل إليه ، ومعرفة آفاتها ، ومعرفة نفسه ، ومعرفة عيوبها ، فبهذه المعارف الخمسة يحصل كمال قوته العلمية ، وأعلم الناس أعرفهم بها وأفقههم فيها .
واستكمال القوة العلمية الإرادية لا تحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد ، والقيام بها إخلاصاً ، وصدقاً ، ونصحاً ، ومتابعةً ، وشهوداً لمنَّته عليه ، وتقصيره هو في أداء حقه ، فهو مستحي من مواجهته بتلك الخدمة ؛ لعلمه أنها دون ما يستحقُّه عليه ، ودون دون ذلك ، وأنه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته ، فهو مُضطرٌّ إلى أن يهديه الصراط المستقيم ، الذي هدى إليه أولياءه وخاصَّته ، وأن يُجنِّبه الخروج عن ذلك الصراط ؛ إما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال ، وإما في قوته العلمية ،فكمال الإنسان وسعادته لا تتم بمجموع هذه الأمور ".فعهد الله الكريم ، وصراطه المستقيم ، ونبؤه العظيم " لا يُوصل إليه أبداً إلا من باب العلم و الإرادة ، فالإرادة باب الوصول إليه ، والعلم مفتاح ذلك الباب المتوقف فتحه عليه ، وكمال كل إنسان إنما يتم بهذين النوعين : " همَّة تُرقِّيه ، وعلم يُبصِّره ويهديه " ، فإن مراتب السعادة والفلاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين أو من إحداهما ؛ إما أن لا يكون له علم بها فلا يتحرك في طلبها ، أو يكون عالماً بها ولا تنهض همَّتُه إليها ، فلا يزال في حضيض طبعه محبوساً ، وقلبه عن كماله الذي خُلق له مصدوداً منكوساً ، قد أسام نفسه مع الأنعام راعياً مع الهمل ، واستطاب لقيمات الراحة والبطالة ، واستلان فراش العجز والكسل ، لا كمن رُفع له علمٌ فشمَّر إليه ، وبورك له في تفرُّده في طريق طلَبِه ؛ فلزمه واستقام عليه ، قد أبت غلبات شوقه إلاَّ الهجرة إلى الله ورسوله ، ومقتت نفسه الرفقاء ، إلا ابن سبيل يُرافقه في سبيله .
ولما كان كمال الإرادة بحسب كمال مرادها ، وشرفُ العلم تابعاً لشرف معلومه ؛ كانت نهاية العبد – الذي لا سعادة له بدونها ، و لا حياة له إلا بها – أن تكون إرادته مُتعلِّقة بالمراد الذي لا يبلى ولا يفوت ، وعزمات هِمَّته مسافرة إلى حضرة الحي الذي لايموت ، ولا سبيل له إلى هذا المطلب الأسنى والحظ الأوفر ؛ إلا بالعلم الموروث عن عبده ورسوله وخليله وحبيبه ، الذي بعثه لذلك داعياً ، وأقامه على هذا الطريق هادياً ، وجعله واسطة بينه وبين الأنام ، وداعياً لهم بإذنه إلى دار السلام ، وأبى أن يفتح لأحد منهم إلا على يديه ، أو يقبل من أحد منهم سعياً إلا أن يكون مبتدئاً منه ومنتهياً إليه ، فالطرق كلها إلا طريقه (ص) مسدودة ، والقلوب بأسرها إلا قلوب أتباعه المنقادة إليه عن الله محبوسة مصدودة ، فحُقَّ على مَنْ كان في سعادة نفسه ساعياً ، وكان قلبُه حيَّاً عن الله واعياً – أن يجعل على هذين الأصلين مدار أقواله وأعماله ، وأن يُصيِّرهما أخبيته التي إليها مفزعه في حياته وطاء له ".
قلبي يُحدِّثني ألَّا يليق به رضاً بجهل ذليل اللُّب يرضيهِ
قد ثار ثائر نفسٍ عزَّ مطلبها وطارَ طائر لُبٍّ في مراقيهِ
كالنسر لا حاجبَ للشمس يحرقُهُ ولا الصواعَقُ والأرواحُ تُثنيهِ
ليس الطموحُ إلى العلياء من سَفَهٍ لا السُّموُّ إلى حقٍ بمكروهِ
أن لم أنلْ منه ما أروي الغليلَ به قد يحمدُ المرءُ ماءً ليس يرويهِ
والقانعون بما قد دان عيْشُهمُ موت فإن هدوءَ القلب يُرديهِ
يا قلبُ يهنيك نبضٌ كُلُّهُ حَرَقٌ إلى الغرائب مما عزَّ ساميهِ
أخي ، ائت الديار البكر ، وارتَد كل يوم منزل فضْلٍ لم يُعرف لأحد في عصرك ، وائت في التنافس بجديد ، كأنك طليعة جيش ، حتى يصدق فيك قول القائل :
عجباً بأنك سالم من وحشة في غاية مازلتَ فيها مُفردا