يردد البعض ويكرر أن مهرجان بيت لحم لبعض فتح/جناح عبّاس قد تبنى المقاومة والكفاح المسلح، أو على أقل تقدير لم يسقطها من برنامجه السياسي، ويطرب لذلك بعضاً ممن ما زالوا يثقون بفتح/جناح عبّاس، وبأنها تتمسك بالثوابت، التي لا ندري حقيقة ماذا تبقى منها، وهذا موضوع
تناولناه بالتفصيل، لكننا اليوم نسلط الضوء على حقيقة ماثلة لكنها غابت عن كثيرين بمن فيهم بعض قيادات المقاومة التي طالبت فتح بالأفعال بدلاً من الأقوال، على اعتبار أن الأقوال ما زالت ملتزمة بالمقاومة، وهو غير صحيح بالمطلق.
دون أدنى شك أو لبس أو غموض، ودون ضبابية أو عموميات، أسقطت حركة فتح/جناح عبّاس وبالكامل ودون تحفظ خيار المقاومة والكفاح المسلح، وألزمت نفسها بشراكة أبدية مع الاحتلال، حتى وان كانت المحصلة صفر، وسنعرض هنا ما يؤكد ويثبت ذلك، مع تحدً تعودنا عليه لكل منظّريهم أن يثبتوا عكس ما نقول.
في غياب تقارير واضحة ومحددة ومكتوبة عن أداء اللجنة المركزية السابقة أو بعضها الذي اجتمع تحت حراب الاحتلال في بيت لحم، اعتبر الكثيرون ما اصطلح على تسميته كلمة عبّاس أنه التقرير الأدبي والسياسي عن المرحلة السابقة (20 سنة!!)، وهنا نتوقف عند التالي:
تحدث محمود رضا عبّاس عبّاس عن الحق المكفول في المقاومة بكل وسائلها، لكنه ربط هذا الحق وقيده بجملة من العوامل منها:
• التوازن على الأرض
• القبول الدولي
• ضمن الشرعية الدولية
• نبذ العنف والإرهاب مذكراً بما سبق ووقع عليه سلفه عرفات
• في إطار توافق الجميع
• مقاومة بلعين كمثال يحتذى به
• المفاوضات أفضل أشكال المقاومة والاشتباك
• من خلال سرده التاريخي المغلوط لمراحل القضية أسقط وبالكامل من صفحات كلمته التي تجاوزت 40 صفحة عدا عن الخروج عن النص المكتوب، أسقط انتفاضتين من تاريخ شعبنا، ولم يذكر لا من قريب ولا من بعيد كتائب شهداء الأقصى التي أنهاها بقرار منه في 01/04/2005.
صفق الجميع وهللوا لمجرد ذكر كلمة المقاومة في كلمة عبّاس، واعتبروه التزاماً ونهجاً، حتى بعد أن أفرغ عبّاس المقاومة وجردها من كل معانيها، لكن يبقى كلامه كلام، وحديثه ترهات في الهواء، طبعاً لمن أراد التبرير أن فتح/جناح عبّاس لم تسقط المقاومة، تماماً كما يردد البعض الجاهل او المتجاهل أن فتح (هنا نقول فتح بكليتها) لم تعترف ب"اسرائيل".
الفيصل هنا هو البرنامج السياسي الذي تبناه مهرجان بيت لحم لحركة فتح/جناح عبّاس، وهو البرنامج الذي لم يوزع، ولم يعمم على الصحافة، وتمت لفلفته بطريقة غريبة عبر لجنة وربما تصويت لم نسمع به، ما يهم أن هذا البرنامج المقاوم جداً جداً قطع الشك باليقين، وبصم عليه كل من تداعوا تحت حراب الاحتلال في بيت لحم، لم يعترض عليه أحد، ولم يتحفظ أحد، كبيرهم وصغيرهم، من نجح في لجنة عباس المركزية ومجلسه الثورية ومن سقط سقوطاً مدوياً، من ادعى ويدعي الوطنية ومن يجاهر بالتنسيق مع الاحتلال ويفاخر به، كلهم دون استثناء بصموا على البرنامج الذي يسقط المقاومة بالكامل، ويتبنى نهج المفاوضات، حتى وان فشل، وهذا نص البرنامج السياسي بخصوص المقاومة بالحرف والنقطة والفاصلة، وفي الفصل المعنون "مواجهة الاحتلال الاستيطاني واستمرار النضال من أجل التحرير والاستقلال"، الفقرة الخامسة:
1. أشكال النضال في المرحلة الراهنة: تتبنى حركة فتح أشكال النضال المشروع كافة، مع التمسـك بخيار السـلام، دون الاقتصار على المفاوضات لتحقيقه، ومن بين أشكال هذا النضال التي يمكن ممارستها بنجاح في المرحلة الراهنة لإسناد المفاوضات وتفعيلها أو كبديل لها إن لم تحقق غاياتها:
أ) استنهاض النضال الشعبي المناهض للاستيطان ونموذجه المعاصر الناجح هو المواجهة المستمرة في بلعين ونعلين ضد الاستيطان والجدار, ولإنقاذ القدس ورفض تهويدها. مهمتنا تعبئة المواطنين جميعا للانخراط في أنشطتها, وتحقيق المشاركة العربية والأجنبية الشعبية فيها, وتقديم كل العون من أجهزة السلطة لإنجاحها, وتصدر القيادات الحركية والشعبية والرسمية لأهم فعالياتها.
ب) إبداع أشكال جديدة للنضال والمقاومة عبر المبادرات الشعبية ومبادرات كوادر الحركة, وتصميم شعبنا على الصمود والمقاومة بما تكفله الشرائع الدولية.
ج) مقاطعة المنتجات الإسـرائيلية في الداخل والخارج من خلال التحرك الشعبي، وعلى الأخص ما يتعلق بالسلع الاستهلاكية التي يتوفر لها إنتاج محلي بديل, وممارسـة أشـكال جديدة من العصيان المدني ضد الاحتلال, والعمل على تصعيد حملة دولية لمقاطعة إسـرائيل ومنتجاتها ومؤسساتها بالاسـتفادة من تجربة جنوب إفريقيا.
د) طرح ومناقشة بدائل إستراتيجية فلسطينية ، إذا تعذر تحقيق التقدم من خلال المفاوضات الحالية، بما في ذلك طرح فكرة الدولة الديمقراطية الموحدة، التي ترفض العنصرية والهيمنة والاحتلال, وتطوير النضال ضد الأبارتهايد والعنصرية الإسرائيلية، أو العودة إلى فكرة إعلان قيام الدولة على حدود 1967، وغيرها من البدائل الإسـتراتيجية.
ه) العمل المستمر للإفراج عن الأسرى والمعتقلين, وإنهاء الحصار الخارجي والحواجز الداخلية وتحقيق حرية الحركة.
و) العودة إلى الأمم المتحدة ومجلـس الأمن لتحميلهما مسـؤولياتهما في حل الصراع وإنهاء الاحتلال، ومواصلة العمل لإستصدار قرارات من مجلس الأمن على أساس الباب السابع من الميثاق لها صفة الإلزام.
ز) اسـتعادة علاقتنا المباشـرة والقوية بمعسـكر السـلام الإسـرائيلي، وإعادة تنشـيطه للعمل من أجل السـلام العادل دون خلط مع التطبيع كسياسة مرفوضة في ظل الاحتلال.
هذا هو البرنامج السياسي لحركة فتح/جناح عبّاس فيما يخص المقاومة وأشكالها المتبناة، وما الحديث عن المقاومة والكفاح المسلح إلا من باب الإنشاء العام دون أي تبني من أي نوع.
انتزع محمود رضا عبّاس عبّاس ما أراد من مهرجان بيت لحم، وبشكل أو بآخر وصل من يريدهم إلى لجنته المركزية ومجلسه الثوري، وهو ما سبب انتعاشاً كبيراً لديه ليواصل تأكيده على إسقاط المقاومة من قاموسه وأجندته، ليصرح يوم الاثنين 17/08/2009 في اجتماع للحكومة التي نصبها قائلاً: " نحن طلاب سلام، نحن نقول الطريق الأساسي والوحيد هو طريق السلام والمفاوضات، ليس لدينا أي طريق آخر ولا نريد أن نستعمل أي طريق، نريد سلاما مبنيا على العدل والشرعية الدولية من خلال طاولة المفاوضات ومن خلال القوانين الدولية ومن أسسها خطة خارطة الطريق"، هذا التصريح الذي ينطبق نصاً ومضموناً مع برنامج جناحه الفتحاوي السياسي.
بهذا تكون المقاومة قد سقطت من قاموس فتح/جناح عبّاس تاريخياً وسياسياً وعملياً، بل أكثر فقد تحول هذا الجناح المنسق مع الاحتلال إلى سياسة جديدة أسماها البروفيسور عبد الستار قاسم "مقاومة المقاومة" من خلال الالتزام الفعلي والعملي بخارطة الطريق، وهو ما شهدنا ونشهد فصوله اليومية في الضفة الغربية المحتلة احتلالاً مزدوجاً، من ملاحقة واختطاف وتعذيب وقتل، ثم احتفال بهذه الممارسات الإجرامية وتفاخر!
أوبعد ذلك تتحدثون عن التمسك بالمقاومة وحمايتها؟ تعساً لكم من كاذبين.
لا نامت أعين الجبناء