أسطورة مقاومة لا تهدأ ومسيرة جهاد تحفل بأعراس الشهادة
من تاريخ النكبة وجرح المخيم، إلى بطن الأرض المكتنز بخلايا الشهداء يرتحلون فارساً تلو آخر كلٌّ يسلم الراية من خلفه ويحمّله عهداً على مواصلة المسير لترتسم ملامح النصر المنشود مع زخّات رصاص الكتائب وزغاريد الانفجار.
(إنا عشقنا الانفجار.... كما عشقنا تربة الوطن المفدى بالدماء والانتظار)
في يوم الجمعة 8/8/2003 استيقظت نابلس ومخيماتها على رحيل اثنين من فرسانها وأبطال كتائبها القسامية إضافة إلى شابين آخرين مضيا على طريق الشهداء.
بداية الحكاية كانت في الساعة الرابعة فجراً حين داهمت قوة صهيونية كبيرة تساندها مروحيتان عسكريتان مخيم عسكر وحاصرت بناية دويكات، المؤلفة من ثلاثة طوابق حيث تحصن القساميان فايز الصدر وخميس أبو سالم، وأفاق المواطنون على أصوات مكبرات الصوت التي دعت المجاهدين إلى إلقاء سلاحيهما وتسليم نفسيهما لقوات الاحتلال، ولكن المجاهديْن ردا على مكبرات الصوت بالصوت الأعلى الذي تنطق به فوهات البنادق، ورد الجنود الصهاينة بإطلاق الصواريخ وقذائف لاو باتجاه البناية ما أدى إلى تدمير الطابق الثالث منها بالكامل قبل أن يتجرأ الجنود ويقتحموها ويطلبوا من جميع سكانها الخروج بعد إعلان فرض نظام منع التجول.
ومن بين أصوات التفجيرات خرج الجنود المدججون بالسلاح بجثة الشهيد خميس أبو سالم الذي استشهد ورفيق دربه فايز الصدر بعد هدم البناية، وبعد عمليات بحث مكثفة فشل الجنود في العثور على جثمان الشهيد الصدر فقاموا بنسف البناية بالمتفجرات بالكامل ثم تدمير حطامها بالجرافات للتأكد من قتله قبل أن ينسحبوا بعد ثماني ساعات على المجزرة، مصطحبين جثمان الشهيد خميس أبو سالم إلى جهة غير معلومة.
وبعد عمليات التنقيب عثر المواطنون على جثة القائد القسامي فايز الصدر، وقد تلطخ وجهه بالدماء وتشوه تحت الأنقاض الأمر الذي أثار مشاعر المواطنين وغضبهم لتنطلق مواجهات عنيفة، رشق فيها المواطنون القوات الصهيونية بالحجارة لترد بإطلاق الرصاص وقنابل الغاز فاستشهد الشاب محمود التك (20عاما) بعد إصابته برصاصة في بطنه والشاب فوزي محمود العلمي (37عاما) بعد استنشاقه كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع.
شهادات من الموقع
وذكر شهود عيان من المواطنين الذين احتجزتهم القوات الصهيونية أن الاشتباك كان عنيفاً وأنهم شاهدوا أكثر من جثة لجنود صهاينة قامت سيارات الإسعاف العسكرية بإخلائهم من الموقع في الوقت الذي اعترفت فيه القوات الصهيونية بمقتل جندي يدعى، روعي أورن (20عاماً)، ويحمل رتبة رقيب أول.
الشهيد خميس أبو سالم: مدرسة التفوق العلمي والجهادي
ولد الشهيد خميس يوسف محمد أبو سالم، في مخيم عسكر عام 1980، لعائلة تنحدر من يافا المغتصبة عام 1948.
كان خميس متفوقاً في تعليمه وفي دراسته في مدارس نابلس، غير أنه ترك الدراسة لضيق ذات اليد وانتقل للعمل لتوفير العون والمساعدة لأسرته وهو المعروف بتحمله المسؤولية، فانتقل للعمل في مجال البناء الذي أتقنه وأخلص فيه، وقام بتجهيز شقة خاصة له بناها بنفسه قبل أن يقرر الالتحاق بالركب والانضمام إلى الشهداء، وترك بيته في الدنيا لقصور السماوات العلى، حيث أصبح كل تفكيره وهمه خلال انتفاضة الأقصى المبارك، منصبّة وموجهة نحو امتلاك السلاح والحصول عليه وتنظيم المجاهدين في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام.
وعن أخلاق الشهيد وطبيعة حياته تقول أسرة الشهيد خميس قد عرف بطول الصمت وكثرة الدعاء للحصول على الشهادة، متواضعاً يهبّ لنجدة من يلجأ إليه محافظاً على صلاة الجماعة في المسجد وخاصة صلاة الفجر، يؤم الناس في الصلاة لحسن صوته وتلاوته.
وانتمى الشهيد خميس منذ نعومة أظفاره إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فقد كان فتىً قلبه معلق بالمساجد مسارع في الخيرات دائم العمل والنشاط حتى التحق بكتائب الشهيد عز الدين القسام، منضماً إلى إخوانه الشهداء أمين فاضل وحامد الصدر.
أما حكايته مع المطاردة المتبادلة مع العدو الصهيوني، فبدأت عندما جاءت قوة صهيونية خاصة لاعتقاله ولم يجدوه في المنزل فقاموا بالعبث بمحتويات البيت وتدمير أثاثه طالبين من عائلته تسليمه، وقد حضر ضباط الصهاينة أكثر من مرة إلى المنزل طالبين من أهل خميس تسليمه، غير أنه كان دائما يرفض تلك الفكرة وهذا ما جعل أهله وعائلته يدفعون ثمناً من الضرب والاحتجاز وتدمير المنزل دون أن تلين لهم قناة حتى ارتحل الشهيد إلى العلا برفقة زميله فايز الصدر في 8/8/2003.
شهداء مخيم عسكر.... الشهيد خميس ابو سالم الى اليسار