اعتبر قرار حماس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية قرارا مفاجئا للعديد من المحللين السياسيين في حينه ، وشهدت الساحة الفلسطينية حينها جدلا حادا بين مؤيدي ومعارضي هذا القرار ، فقد اعتبرت حركة فتح حينها ان حماس انقلبت على مبادئها، وراهن احد قادة فتح حينها (ابو علي شاهين) على ان حماس اذا فازت ستنقلب على مبادئها باسرع مما اخذت فتح من وقت حتى تم تطويعها ، وستعترف باسرائيل ، وتسير في ركب الدول العظمى كما سارت فتح.
لا يزال بعض المحللين السياسيين - وعلى رأسهم الكاتب ياسر الزعاترة - ينتقد حماس ويلومها على المشاركة في الانتخابات على اساس انها انتخابات تحت الاحتلال ولا ديمقراطية تحت الاحتلال ، وأن التعاطي مع الانتخابات حرف حماس عن مسارها المقاوم وحشرها في قطاع غزة بلا حيلة ، وأن الحل بحل السلطة الفلسطينية ، او تحويلها الى سلطة مقاومة مهما كان رد الاحتلال.
لقياس وتقدير خطأ حماس من عدمه في اتخاذها قرار المشاركة في الانتخابات ، يجب ان نعرف اهداف حماس من المشاركة وهل تحققت هذه الاهداف ام لا .
في تقديري أن حماس قررت الدخول والمشاركة في الانتخابات التشريعية لعدة اسباب:-
اعتقدت حماس حينها ومن خلال متابعاتها للوضع الاقليمي والمحلي ، وخاصة بعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ، أن طبخة يتم التحضير لها من اطراف (طابا -جنيف) لتصفية القضية الفلسطينية وفق شروط مجحفة بحقوق الشعب الفلسطيني، وقد صرح حينها احد قيادات حماس صراحة امام جمع من الناخبين بأن ( بيعة كبيرة يتم التحضير لها ، ويجب الفوز بشكل ساحق في الانتخابات والذهاب الى اي مكان فيه صوت لاحضاره لاحباط هذا المشروع)، اذا كانت حماس تسعى الى احباط مشروع تصفوي وفرملة توجه تنازلي ينهي آمال الشعب الفلسطيني باسترجاع حقوقه على يد مجموعه صغيرة من المتنفذين الذين يسيطرون على منظمة التحرير الفلسطينية.
كما أن حماس كانت على قناعة أن مشروعا أمنيا يجري التحضير له دوليا لاعادة ترتيب القوى الامنية في الضفة والقطاع لتعاود الكرة للقضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس ، بعد أن انتعشت هذه القوى في ظل التعليمات التي كان يصدرها الرئيس الراحل عرفات بعدم التدخل ضد المقاومة ، واعتبرت حماس أن الغطاء العرفاتي ذهب بموت عرفات مسموما في المقاطعة، وأن المشاركة في الانتخابات والفوز فيها سيكون ضمانة لحماية المقاومة .
الهدف الاخر كان أن تستثمر حماس النصر الذي حققته في قطاع غزة ، بأن أجبرت -وقوى المقاومة - الكيان الصهيوني على تفكيك مستوطناته من القطاع والرحيل بلا أي تفاوض وتحت ضربات المقاومة، ولكون حماس رأس حربة المقاومة ،فقد كان لها الحق ان تثبت المشروع المقاومة بخطوة الى الامام تتجاوز الطلقة الى ما عداها.
كانت حماس تتهم انها تسعى للاستحواذ على القرار والمؤسسات الفلسطينية بطريق الجبر ، وأنها خارج مؤسسات الشعب الفلسطيني وأنها خارج منظمة التحرير تحديدا ، وان من الواجب عليها اذا ارادت المشاركة في صنع القرارا السياسي الفلسطيني فعليها ان تدخل في الانتخابات، وبعدها تدعي تمثيلها للشعب وتقبل وترفض المشاريع المطروحة.
تعرضت حماس في تلك المرحلة لضغوطات شعبية كبيرة للمشاركة بالانتخابات حتى من داخل حركة فتح ، وكان الجميع يدفعها دفعا للمشاركة بعد أن ملوا من الفلتان الامني والفساد المتفشي في حركة فتح، وكانت الجماهير تدفع حماس دفعا للمشاركة حتى تصلح الاوضاع الداخلية .
في هذه الاثناء كانت حماس تخضع لتأثير آخر مهم وهو تأثير ما تحقق في القطاع ، وما توفر من نوع من الاستقلالية والتواصل الجغرافي ، اضافة للقوة العسكرية مهابة الجانب التي بنتها حماس في تلك الفترة ، كل هذه العوامل والعوامل السابقة الذكر كانت الدافع للمشاركة في الانتخابات .
لن أدخل بتفاصيل الحصار والاستهداف والملاحقة والتضييق وكل المحاولات التي هدفت لاقصاء حماس وتطويعها بل وتصفيتها وصولا الى سيطرتها على القطاع وسيطرة فتح على الضفة،لأن كل هذه نتائج لسياسات صنعها خصوم حماس لحرمانها من استثمار فوزها،و سأنتقل الى ما وصلنا اليها في المحصلة من الحصار الحالي على القطاع من العرب واسرائيل على حد سواء ، وادارة حماس له حتى الان، اضافة الى حرب الاستئصال على حماس في الضفة وصولا الى الحوار ، أو ما أطلق عليه مشروع الحوار المصري .
بعد اكثر من سنتين على فوز حماس وحصارها نجد أن حماس لم تنثني ولم تطوع ولم تدجن حسب الهوى الامريكي والاسرائيلي كما راهن عليها (أبو علي شاهين) بل نجد أن حماس أكثر ثباتا وثقة بالنفس ، وأكثر اصرارا على الثوابت وترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني مهما كان الثمن.
استطاعت حماس من خلال دخولها في الانتخابات ان تثبت شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني بفوز ساحق اذهل كل المتابعين ، وتمكنت من فرملة كل مشاريع التصفية للقضية وبات كل اتفاق وكل سياسة متبعة لا توافق عليها حماس فاقدة للشرعية ، فالشرعية هي للبندقية المقاومة التي تحمي حماس ظهرها ، وأصبح خصوم حماس في كل ما يفعلونه يضطرون لمخالفة القانون الذي دعوا حماس للاحتكام اليه، فعينوا الحكومات ونفذوا السياسات بعيدا عن القانون والدستور ، وهذا كله ادى في النهاية الى تقوية منهج حماس وليس اضعافه ، فالحصار على غزة والاستهداف بالضفة ، لا تقاس نتائجه بالجوع وعدد المعتقلين والمؤسسات المغلقة، بل تقاس بمدى الثبات على المنهج والتقدم خطوات ثابته الى الامام.
فحماس بقيت ثابته راسخة على ثوابت الشعب الفلسطيني وفشلت كل محاولات تطويعها وكسرها، حتى اضطرت اسرائيل الى توقيع اتفاقية تهدئة معها ، واضطر النظام المصري الى التعاطي معها كرقم صعب لا يمكن تجاوزه ولا تحطيمه ، واضطر خصمها السياسي (حركة فتح ) أن تحاورها بلا الشروط السابقة التي كانت تعلن بأنها مقدمة للتفكير بالجلوس معها( الاعتذار، اعادة المقرات للرئيس، والقبول ببرنامجه السياسي).
على الصعيد الميداني العسكري والاسترتيجي لمشروع المقاومة في فلسطين فقد استطاعت حماس تحقيق عدة معطيات مهمة:-
*استطاعت تثبيت وحماية ظهر المقاومة في المناطق التي تسيطر عليها، واصبحت المقاومة آمنة الا يستهدف قادتها وعناصرها ، وآمنة على نفسها مما يعرف بالتنسيق الامني ، لأن الاجهزة الامنية في القطاع لها عقيدة امنية تجعلها رديفا للمقاومة لا عدوا لها.
*استطاعت أن تبني مقاومة منظمة ذات تشكيلات متخصصة مهابة الجانب وفرضت على الاحتلال توازن رعب مع اسف ما كان اصدقيانياتها القليلة وحصار الاخوة والاعداء .
*استطاعت اقناع الفصائل المقاومة الفاعلة على الساحة بصياغة استراتيجية لادارة الصراع المقاوم للاحتلال ، يتبنى خطط واسترتيجيا تقوم على التجهيز والاعداد والتعامل مع المقاومة كجزء من صراع يجب الاعداد له جيدا ، ونقلت المقاومة من اعمال فردية واطلاقات عشوائية الى عمل منظم يعرف ما يريد .
نظرا للاهداف من المشاركة التي سقتها سابقا ، ووصولا الى النتائج التي ذكرتها يتضح لي أن حماس حققت الكثير مما أرادت على صعيد الحقوق والثوابت ومشروع المقاومة للكيان الصهيوني الاستيطاني ، وبالرغم من تأثيرات الحصار والاستهداف الامني لحماس والشعب الفلسطيني الا أن هذه كلها لا تعدو عن كونها تأثيرات جانبية يدفعها اي شعب يقاوم الاحتلال ، فالشعب الفلسطيني يقاوم منذ القدم وحتى الان ليسترد حقوقه المشروعه ، ولا يقاوم من اجل ان يأكل أو يشرب، أو تسهيلات حياتية تحت ظل بندقية الاحتلال .
باشارة الى القائلين بخطأ المشاركة وأن الحل بحل السلطة ، فحل السلطة صحيح هو الحل من وجهة نظري ولكن حل السلطة ليس بيد حماس بل بيد خصومها، كما أن النظر للموضوع من زاوية محددة والبقاء اسير لها كموجه للتحليل السياسي سيقود الى نتائج خاطئة،فالحديث عن الانقسام وما تبعه من آثار وكأنه ناتج عن المشاركة في الانتخابات مجانب للواقع ، فهل عدم المشاركة كان سيفضي الى توافق ؟ وهل كل شعوب الارض كانت مجمعة اصلا على مقاومة محتليها؟.
فعندما يقول المحلل السياسي أن الحل هو بحل السلطة أو بجعلها سلطة مقاومة مهما كان رد الاحتلال، فما الذي تفعله حماس غير اقامة سلطة مقاومة؟ ، كما أن أكثر الذين يعيبون على حماس قرارها وما تبعه من قرارات حتى الان والتي كان بعضها صائبا والاخر غير ذلك، لا يفتحون مخرجا امام حماس يحافظ على الثوابت وعلى المقاومة ، فالخروج من عنق الزجاجة في هذه الازمة يحتاج لمهاره شديدة في الادارة التفاوضية والادارة الاعلامية ، والذي اعتبر أن حماس الان تديره بمهارة بعد أن افشلت ما كان يعد لها من فخ في القاهرة والقت الكرة الملتهبة في احضان الآخرين ، واسقطتهم في الحفرة التي حفروها لها.